رواية السيد الشيطاني العائد طيب - الفصل 18
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
إعدادات القارئ
حجم الخط
A- A+نوع الخط
لون الخلفية
“سيد ز- زيك؟”
اهتز صوت لوبيلا وهي تنادي باسم زيك.
كان مظهرها لا يزال جميلا بشكل مذهل. ولكن مع ذلك، لقد بدت مختلفة تماما عما كانت عليه قبل أيام قليلة. كان شعرها الأشقر اللامع قد أصبح رماديا من الغبار، وكانت بشرتها النظيفة قد غُطت الان بالأوساخ والطين. ملابسها، والتي جعلتها تبدو مقدسة من قبل، كانت الآن ممزقة ومتسخة، ما جعلهم لا يبدون كأفضل من ملابس المتسول. مظهرها الحالي لم يشر إلى كونها كاهنة كارويمان بأي شكل من الأشكال.
“حالتك مذريه.”
“أهغ!”
بسماع كلمات زيك، عضت لوبيلا شفتيها.
لقد نهضت ببطء وسلمت شيئا إلى زيك. كانت عصا سحرية بيضاء وجد عليها جوهرة زرقاء شبه شفافة. على الارجح كانت أداة ساعدت في زيادة القدسية، ولكن كمثل مالكها، كانت العصا متسخة أيضا.
“إذا ما حكمنا من خلال رد فعلك، فيجب أن تعرفي أيضا كونك مطلوبة الآن.”
“…كيف تمكنت من العثور علي؟”
“أنا واثق في حواسي. لقد شعرت بوجود مماثل لحضورك، أيتها السيدة لوبيلا، يرتجف داخل هذا الزقاق، ولذلك جئت للتحقق.”
كان زيك مذهلًا في التحري.
أصيب كل من هانز ولوبيلا حتى بالصدمة. نظر هانز إلى زيك كما لو كان وحشا. ومن الناحية الأخرى، هدأت لوبيلا مشاعرها بسرعة.
“هل ستقوم بتسليمي؟”
لم يكن هناك قوة في صوتها، ولكن الضوء في عينيها أشار إلى أنه لن يتم جرها دون قتال.
“هل ستصدقينني إذا قلت بإنني لن أفعل؟”
لم تتمكن لوبيلا من الرد.
مر توتر هادئ بينهما ثم فجأة —
زقزقة!
رن صوت ضخم من معدة لوبيلا. لكون أحد لم يتحدث، بدا الصوت الصادر من معدة لوبيلا وكأنه هدير الرعد. بدأت خدود لوبيلا في الاحمرار.
“…دعونا نأكل أولا.”
لم تقل لوبيلا أي شيء لبضع لحظات، ولكنها أومأت برأسها في النهاية.
* * *
على الرغم من أن زيك قد قرر إحضار لوبيلا معهم، إلا أن ذلك لم يغير حقيقة كونها شخصا مطلوبا متهما بجرائم خطيرة كأمثال ‘اغتيال نائب العمدة’ و ‘إلقاء لعنة كبيرة على بورتي.’
أمر زيك هانز بالعودة قبله.
نظر هانز ذهابا وإيابا بين لوبيلا وزيك والقلق متواجدًا في عينيه، ولكن سرعان ما غادر وهو يحمل شعلة. انتظر الاثنان لبضع الدقائق الأخرى، وساد الصمت بينهما قبل أن تعلق لوبيلا قائلة، “…أنت لا تسألني عن أي شيء.”
“سأسأل، ولكن فقط بعد أن نخرج من هذا الوضع أولا.”
رفع زيك رأسه وحدق في السماء. ولحسن الحظ، كانت القمر والنجوم مغطاة بالغيوم كالأيام القليلة السابقة.
“لنبدأ التحرك.”
“بالفعل؟ أليس من الأفضل لنا الانتظار أكثر قليلا؟”
“الأمر بخير فلا يوجد الكثير من الناس الذين يتجولون ليلًا في هذه الأيام. والفضل كله يرجع لـ-‘ الساحرة آين لوبيلا.’ ”
حدقت لوبيلا في زيك، وهزت كتفيها ردا على ذلك. لقد خرجوا من الزقاق بحذر. وفحصت لوبيلا المنطقة المحيطة بتوتر بحثا عن أي شخص.
“…لا أستطيع رؤية أي شيء.”
كانت المدينة مظلمة لدرجة كان فيها من المستحيل إدراك الأشياء القريبة. في هذه الحالة، كان من الصعب رؤية الطريق إلى وجهتهم، وكان من السهل تلقي الكثير من الإصابات من الاصطدام بالمباني أو الأشياء العشوائية. عادةً، كانت ستقوم لوبيلا باستخدام قواها المقدسة لدعم بصرها، ولكنها لم تمتلك ما يكفي من الطاقة أثر الجوع ونقص النوم خلال الأيام القليلة الماضية.
امساك!
أمسك شيء ما يد لوبيلا فجأة. لقد كانت خشنة وكبيرة، ولكنها كانت يد دافئة.
“سأقوم بمعظم التوجيه. أرجوا منك توخي الحذر أثناء اتباعي.”
نظرت لوبيلا بهدوء إلى يد زيك وأجابت، ” حسنا.”
ركز زيك المانا على عينيه. مع هذا التحكم، أصبح المنظر المعتم تماما أمامه مرئيا. بدأ زيك في قيادة لوبيلا نحو وجهتهم. لحسن الحظ، كانت الرياح تهب بقوة، ولذلك لم يكن عليهم مشاهدة خطواتهم. ولكن مع ذلك، لكون لوبيلا ببساطة عمياء في هذا الوضع، كانت خطواتها بطيئة.
“هل قمت بتركيز المانا خاصتك في عينيك؟”
“أنتِ تعرفي عن ذلك؟”
“لقد رأيت الفرسان المقدسين يستخدمون مهارة مماثلة.”
مع ادلائها لهذا البيان، قامت لوبيلا بأغلاق فمها مرة أخرى. على الارجح كانت تفكر في الفرسان المقدسين الذين قاموا بحمايتها. بالحكم على رد فعلها، فمن المحتمل عدم كونهم في وضع جيد.
’لقد مات جميعهم على الأرجح.’
لم يقل زيك أي شيء أيضًا ووجه لوبيلا بصمت.
“صه!” همس زيك للوبيلا.
وضعت لوبيلا يديها على فمها غريزيا، وتحرك زيك بحذر في أثناء قيادتها. بعد أن داروا حول الزقاق لعدة مرات، اقتربوا نحو الجدار وامسكوه بكثب.
خشخشة! خشخشة! خشخشة!
اتسعت عيون لوبيلا عند سماعها لصوت خشخشة المعدن. لقد كان على الأرجح أحد حرس أمن المدينة. أضاءت الأضواء الخافتة القادمة من مسافة الزقاق. بدت الأضواء وكأنها مصابيح تبحث عن مكان وجودها، ولذلك تحركت لوبيلا بحذر ماشيةً بخطوة واحدة تلو الاخرى لمنطقة لا يصلها الضوء. بدأ الضوء الساطع في الخفوت وهي تبتعد ببطء. كما تلاشى صوت الخشخشة المعدنية.
تنهد!
عندما اختفت كل الأضواء والأصوات، تنهدت لوبيلا بارتياح.
“دعينا نذهب.”
“حسنًأ.”
أمسك زيك بلوبيلا وبدأ في قيادتها مرة أخرى.
* * *
المكان الذي وصلوا إليه كان سكن زيك. كان الضوء خافت يتسرب من داخله إلى الخارج، وأمكن لزيك الشعور بحضور شخص ما في الطابق الأول. عنى هذا عدم استطاعتهم استخدام الباب الأمامي، نظر زيك حول المبنى.
كان سكن زيك وهانز متواجد في الطابق الثالث.
“هناك”، همس زيك عندما رأى نافذة خشبية مغلقة في الطابق الثالث.
“انتظري للحظة رجاءً.”
بعد إخبار لوبيلا بذلك، ألقى زيك حجرا صغيرا وجده على الأرض.
كلاك!
بعد لحظات قليلة، فتحت النافذة وظهر هانز منها.
“تمسكي بإحكام رجاءً.”
“ماذا؟”
تجاهل زيك سؤال لوبيلا ورفعها.
“كياا!”
أطلقت لوبيلا صرخة هادئة، ولكنها أمسكت رقبة زيك بإحكام. وهو في هذه الحالة، بدأ زيك في السير نحو جدران المبنى. ومن ثم وجه المانا خاصته إلى ساقيه وركز القوة فيهما.
زووم!
حدث كل ذلك في لحظة. قفز زيك إلى الطابق الثالث بكل سهولة. من عبر النافذة، رأى زيك وجه هانز المتفاجئ.
رطم!
وهو ممسك بحافة النافذة، دفع زيك بنفسه ولوبيلا إلى الداخل.
“هل كلاكما بخير؟”
“أنا بخير”، أجاب زيك على سؤال هانز المليء بالقلق.
“أ-أنا بخير أيضا.”
شاعرتًا بالمزيد من الارتياح الآن، أجابت لوبيلا براحة أكبر قليلا. شعر هانز أيضا بالارتياح بعد سماع كلا الردين.
“من الجيد سماع ذلك. في الوقت الحالي، فلتجلسوا مرتاحين رجا…”
لم يستطع هانز إنهاء جملته لذهوله من مدى الشراسة في عيون لوبيلا. لقد كانت عيناها على وشك الامتلاء بالجنون تقريبا. ولكن لحسن الحظ، لم تكن تحدق في هانز، بل في وعاء من الطعام موضوع على طاولة صغيرة في زاوية الغرفة.
“هاه! أعتقد أن الأمر ميؤوس منه إذا ما كانت كاهنة كارويمان المقدسة جائعة.”
“ماذا؟ لـ-لا، هذا…!”
احمرت لوبيلا خجلا وبدأت في تقديم الأعذار. ثم أغلقت فمها وبدأت تلف جسدها. اعتقد زيك بأنها بدت محرجة من سلوكها، ولكن حتى مع ذلك، لم تستطع لوبيلا التوقف عن سرقة النظر إلى الطعام. كالضربة القاضية، أطلقت معدة لوبيلا هديرا آخر مرة أخرى، وانهارت هي على الأرض.
“يجب عليك أكله. لقد قمنا بإعداد الطعام لك على أي حال. من المؤكد عدم امتلاكك الوقت لتناول الطعام أثناء فرارك.”
“…شكرا لك.”
حتى لو أرادت الرفض، بطنها كانت جائعة لدرجة أحساسها بالفراغ داخلها تقريبًا. تحركت لوبيلا وهي ترتعش نحو الطعام.
“إذن سأغادر مرة أخرى.”
“ماذا؟ إلى أين أنت ذاهب؟” سأل هانز زيك الذي كان بالفعل خارج النافذة جزئيًا.
” سأقدم دليل براءتي من خلال المرور عبر المدخل الأمامي تحسبًا فقط. لا بد لي من جعل صاحب المتجر وغيره من الناس يعتقدون أنني دخلت إلى الغرفة بمفردي.”
وضع زيك كلا من قدميه خارج النافذة ومن ثم أدار رأسه للخلف.
“عندما أقفز لأسفل، تأكد من إغلاق النافذة.”
مع قوله لهذه الكلمات، قفز زيك.
* * *
بعد التأكد من رؤية صاحب المتجر له، سار زيك إلى غرفته وكأن شيئا لم يحدث.
دق! دق!
“إنه أنا.”
بعد طرقه للباب والتحدث، انفتح الباب. تأكد هانز من كون الشخص خارج الباب هو زيك، وثم فتح الباب بالكامل. أول شيء هبطت عليه عيون زيك هو لوبيلا، التي كانت تأكل. لم يتم تحضير الكثير لها- حساء بسيط، خبز، وبعض الخضار. ولكن لوبيلا أكلت كما لو كانت تأكل ألذ طعام في العالم، وبعد لحظات قليلة اختفى الطعام بسرعة.
كشط!
وضعت لوبيلا ملعقتها للأسفل فقط بعد كشط قاع الوعاء من الحساء. تركت تجشؤ صغير وأغلقت فمها بسرعة. بدا هانز كما لو أن خياله المثالي أو أي شيء من هذا القبيل قد تحطم، ولكن زيك تجاهله وسار نحو لوبيلا.
“إذن هل يمكنك أخباري بما حدث؟”
“قبل ذلك, هل يمكنك أخباري عن الشائعات التي تنتشر عني في المدينة؟”
“ليس من الصعب علي أن أقول لك ذلك. في المدينة، انتشرت شائعات عن اغتيالك لنائب العمدة وكونك ألقيت بالعنة على بورتي. حتى أن هناك ملصق للمطلوبين خاص بك رُسم جيدًا. هل تريدين رؤيته؟”
من ملابسه، أخرج زيك قطعة من الورق. أخذت لوبيلا ملصق المطلوبين وحدقت به كما لو كانت ستمزقه.
“…من أين حصلت على هذا؟”
“حصلت عليه لأنني اعتقدت كونك فضولية بشأن صورتك.”
كان من الصعب فهم حالة زيك الذهنية. هز هانز رأسه على تصريحات زيك.
وضعت لوبيلا قوة في يديها حتى تجعدت حواف ملصق المطلوبين تحت يديها.
“هذا ليس صحيحا.” تمتمت لوبيلا بهدوء،” أنا لست ساحرة.”
“دعينا نسمع ما حدث لك أولًا.”
جلس زيك على الكرسي المقابل لوبيلا وطوى ذراعيه. بدأت لوبيلا في التحدث ببطء.
“بعد سماع ما حدث لسود في المتجر، ذهبنا إلى العمدة على الفور.”
لم يتمكن الأشخاص العشوائيون من مقابلة العمدة، ولكن كاهنة كارويمان لم تكن ’شخصا عشوائيا’. بشكل واضح هي بإمكانها مقابلة العمدة إذا ما كان لديها مخاوف. كما قالت الشائعات، أمكن للمرء القول بإن العمدة بدا جشعا بلمحة واحدة. جعلت الدهون الموجودة تحت وجهه من الصعب حل وتخمين مكان رقبته، وتحركت عيناه الخرزيتان بحرارة كما لو كان يحاول شم المال.
من ناحية أخرى، بدا نائب العمدة أكثر ملاءمة. دُفع شعره نصف الأبيض بشكل أنيق إلى الوراء، وأشار جسده الصحي إلى كونه ممتازا في الإدارة الذاتية. وتحت حواجبه الحادة، بدت عيناه الحكيمة قادرة على رؤية أي شيء.
“لقد قدمنا شكاوينا بناء على كلمات السيد سود. أخبرناه أنه في هذه المدينة، كان هناك استيلاء غير قانوني وغير أخلاقي. قلنا أيضا أن شخصا ما في عائلة العمدة متورط في هذا، وأن هناك أيضا شكوكا في أن العمدة نفسه تلقى بعض الرشاوى.”
أضافت لوبيلا أيضا إلى إن العمدة قد تفاجئ بشدة من تصريحاتها. ولكن مع ذلك، لم يظهر نائب العمدة ذلك بصراحة وبدا كما لو أنه ينظر إلى العمدة بازدراء. لحسن الحظ، بغض النظر عن مدى جشع العمدة، لم يكن قادرا على تجاهل تحذير من أحد أتباع كارويمان رفيعي المستوى. أجاب العمدة بأنه سيبدأ تحقيقًا بسرعة وسيحاول معالجة هذه المشكلة. ولكنه أيضًا نفى بشدة الادعاءات المتعلقة بتلقي رشاوي من أي شخص.
كان من الصعب جدا الوثوق به، ولكن نظرا لقوله إنه سيحل هذه المشكلة على الفور، لم يكن أمام لوبيلا خيار سوى التراجع. قررت لوبيلا وحراسها العودة إلى مساكنهم في ذلك الوقت ومشاهدة كيفية تطور الوضع، ولكن العمدة أوقفهم في سيرهم. لقد دعاهم رسميا إلى منزله خلال مدة إقامتهم في المدينة.
“خلال ذلك الوقت، اعتقدت أنه يريد فقط أن يكون في الجانب الجيد من كارويمان والكنيسة.”
بعد لحظة من التأمل، قبلت لوبيلا دعوة العمدة. كان الغرض من هذه الرحلة هو رؤية سبل عيش أنواع مختلفة من الناس والاستماع إلى مجموعة متنوعة من وجهات النظر. حتى الآن، أمضت معظم وقتها في الاستماع إلى الفقراء أو عامة الناس أو الأشخاص من الطبقة الدنيا؛ لذلك، اعتقدت أن هذه قد تكون فرصة ممتازة للاستماع إلى أفراد الطبقة العليا. علاوة على ذلك، يمكنها أيضا التجسس على تصرفات العمدة.
“بهذا الشكل، انتهى بنا الأمر بالبقاء في قصر العمدة لمدة يومين. لم يحدث شيء كثيرا خلال ذلك الوقت. ولكن مع ذلك، بدأت القصص الغريبة في الظهور.”
زاد البريق في عينيها.
“بدأ الموتى الأحياء في الظهور في المدينة.”
بصفتهم من أتباع السَّامِيّ السماوي كارونا، كان الموتى الأحياء وجودا لا يمكنهم تحمله. بمجرد سماعها عنهم ، ذهبت مباشرة إلى العمدة. كانت لا تزال تشعر بعدم الارتياح أثناء توجداها حول العمدة وامتلكت فكرة سيئة عنه، ولكن هذا لم يكن وقتا للمشاعر الشخصية. أخبرته لوبيلا والفرسان المقدسون بأنهم سيساعدون في القيام بدوريات في المدينة وحماية المواطنين وطرد الموتى الأحياء.
“وافق العمدة على طلبنا. لقد رحب بمشاركتنا بالفعل وأخبرنا أنه سيخصص لنا جزءًا من المدينة للقيام بدوريات. ثم قال لنا أن نأتي إلى غرفته حول غروب الشمس.”
بالتفكير في الأمر مرة أخرى، لقد كانت أفعاله مشبوهة. وكان عليها أن تعرف حينها.
“كنا بلا سلاح لأنه كان من الممكن أن يكون عرضا للعداء للعمدة بينما كنا نقيم في قصره. ولكن هذا كان في الواقع فخا.”
عندما ذهبوا إلى غرفته في الوقت المتفق عليه، رأوا نائب العمدة ممددًا على الأرض والعمدة يحمل كتابا غريبا في يديه. ومن العدم، بدأت مجموعة من الموتى الأحياء في محاصرتهم.